درس الإصلاح الديني – مادة التاريخ – الجذع المشترك للتعليم الأصيل

الإصلاح الديني

تقديم إشكالي:

شهدت أوربا خلال القرنين 15 و16م حركات إصلاحية دينية تزعمها دينيون تأثروا بأفكار الحركة الإنسية فوجهوا عدة انتقادات للكنيسة الكاثوليكية وطالبوا بإصلاح ديني يواكب التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

  • فما هي دوافع الإصلاح الديني؟
  • وما هي أهدافه؟
  • وما هي ردود فعل الكنسية الكاثوليكية؟

I – تحديد دوافع الإصلاح الديني بأوربا خلال القرنين 15 و16م:

1 – اعترت الكنيسة الكاثوليكية في أوربا خلال القرنين 15 و16م مجموعة من مظاهر الانحراف:

اعترت مظاهر الانحراف والفساد سلوك الكنيسة الكاثوليكية، وتتمثل في:

  • بيع صكوك الغفران: أصبح الغفران الذي كانت تمنحه الكنيسة للتائبين الأحياء منهم والأموات بمثابة تجارة امتهنها، حيث كانت الكنيسة تبيع صكوك الغفران للفلاحين الذين يمثلون الفئة الفقيرة وليس لهم أية سلطة، وبالتالي عليهم الخضوع المطلق للكنسية، وقد نهجت الكنيسة الكاثوليكية عدة طقوس لبيع صكوك الغفران حيث بررت بيعها لهذه الصكوك بحجة بناء كنيسة القديس بروما، وذلك في عهد البابا جيل الثاني وخليفته ليون العاشر.
  • إخلال البابوية بواجباتها الدينية: شهدت الكنيسة المسيحية في عصر النهضة الأوربية انحراف البعض من البابوات، حيث كان البعض تقيا والبعض الآخر يهتم بممارسة الترف والبذح والرخاء، حيث أصبحت الكنيسة في هذا العهد تهتم بالأموال أكثر مما تهتم بالإصلاح، ومن البابوات الذين كانوا يتناولون المصاريف الباهضة ليون العاشر.

2 – انتقاد المصلحين الدينيين الممهدين للإصلاح الديني للانحراف الكنيسة الكاثوليكية:

تعددت الانتقادات التي وجهت للكنيسة الكاثوليكية وتزعمها عدة مصلحين:

  • جون ويكليف: مصلح انجليزي عارض منح الصدقات للبابوية طالما أن أهل البلاد في حاجة إليها لمعالجة مشاكلهم، حيث انتقد الكنيسة المسيحية في مبالغتها في جمع واكتناز الأموال، لذلك دعا إلى الاستحواذ على ممتلكات الكنيسة واستغلالها في إصلاح أحوال البلاد الاقتصادية والاجتماعية، بعد أن تبين بأن سلوكات رجل الدين لا علاقة لها بما يأمر به الدين المسيحي.
  • جان هس: مصلح تشيكي قام بانتقاد الكنيسة انتقادا شرسا، ودعا إلى نزع صفة القدسية عن البابا، لأن أفكاره وسلوكه بعيدين عن الديانة المسيحية، وأن تصرفاته الفاسدة تتنافى مع القيم التي يدعو إليها الإنجيل، وقد أدى به انتقاده إلى إعدامه من طرف الكنيسة سنة 1415م بعد أن أتهم بالهرطقة (الردة).
  • إيرازم: مصلح هولندي وجه انتقادات لاذعة للرهبان متهما إياهم بالخرافة والظلم والنميمة، ونصح المسيحيين بالرجوع إلى الكتاب المقدس، والتخلص من السلطة الكاثوليكية التي تتنافى مع الديانة المسيحية.

II – قيم وأهداف الإصلاح الديني البروتستانتي وردود فعل الإصلاح الكاثوليكي المضاد:

1 – ارتبط الإصلاح الديني البروتستانتي في بتحقيق أهداف متعددة:

عرفت أوربا حركات إصلاحية دينية بروتستانتية في مناطق مختلفة، منها:

  • حركة مارتن لوثر بألمانيا: ارتبطت حركة لوثر بتكوينه الديني من خلال زيارته لروما حيث عاد بانطباع سيء عن حياة البابوية، إذ وقف على مظاهر الفساد والانحلال الخلقي من خلال ممارستهم لحياة البدح والملذات، ورفضه لبيع صكوك الغفران لأن المغفرة مرتبطة بالإيمان، إنما كان يشغل فكر لوثر هو البحث عن خلاص للإنسان وبالتالي كانت القاعدة الأساسية لحركته هي عقيدة التبرير بالإيمان وتتلخص فيما يلي: نفي العظمة عن رجل الدين، ومنع ترويج صكوك الغفران لأن الغفران مرتبط بالعمل الصالح، الرجوع إلى الكتاب المقدس وفهمه فهما صحيح، الإيمان مسألة فردية، كما عرفت أطروحات لوثر انتشارا كبيرا في ألمانيا فطلب منه البابا التخلي عن أفكاره ولما رفض اتهمه بالتكفير، لقد عارض لوثر كل الصدقات والأموال التي يستغلها رجال الدين بطرق غير شرعية، ولقيت حركة لوتر دعما من طرف الفلاحين الذين قاموا بثورة 1542م فعارضها لوثر معارضة شديدة لإيمانه بضرورة الخضوع  للسلطة الدنيوية لأنها هبة من الله.
  • حركة أولريش زوينجلي وجان كالفن بسويسرا: ارتبط الإصلاح بحركة أولريش زوينجلي حيث اعتمد هذا الأخير مبادئ لوثر في رفضه صكوك الغفران وابتزاز الكنيسة للناس عن طريق جمع الضرائب والعشور، إلا أن الأمر سيؤدي إلى اندلاع الحرب ومقتل المصلح زوينجلي، وهزيمة الجيوش البروتستانية في معركة كابل 1531م، وذلك بعد انتشار الإصلاح في سويسرا، ثم ارتبط الإصلاح بالحركة الكالفانية التي دافع عنها جان كالفان وقد كانت حركته أكثر تنظيما حيث جمع أفكاره الإصلاحية بشكل منظم في كتابه مبادئ الدين المسيحي الذي ترجمه إلى الفرنسية وقد تضمن مبادئ اتفق بها مع لوثر بإعطاء الأولوية للكتاب المقدس، وربط الغفران بالأمور القدرية، كما اهتم كالفان كذلك بالجانب السياسي حيث كون جمهورية ثيوقراطية لجنيف جعل السلطة فيها للمرشدين الدينيين، إذ لاحظ تصاعد دور الكنيسة وخضوع الدولة لها.
  • حركة الإصلاح في إنجلترا تزعمها الملك هنري الثامن: تجلى هذا الإصلاح في وقف العثمانيون الإنجليز موقفا رافضا لرجال الدين، وخلاف هنري الثامن مع البابوية بسبب رفض البابا إلغاء الزواج الأول لهنري مما جعله ينفصل عن البابوية وتزعمه للكنيسة الإنجليزية وبالتالي أعلنت الكنيسة قرارا بتكفيره، كما أصدر البرلمان الإنجليزي قانون السيادة ومضمونه أن الملك هو القائد الأعلى يتمتع بجميع السلط، مما أحدث قطيعة نهائية مع الكنيسة الكاثوليكية والفرق الذي وجد بين الحركة الإنجليزية وباقي الحركات الإصلاحية أن هنري الثامن احتفظ بالعقيدة والطقوس، وتراثبية رجال الدين للكنيسة الكاثوليكية، فاعتبر عمله انشقاقا داخل الكنيسة الكاثوليكية، كما أثار عمله معارضة للإصلاحيين الذين كانوا يرغبون في إصلاح ديني جذري.

2 – طبقت الكنيسة الكاتوليكية إصلاحا مضادا:

لم تستطع الكنيسة الكاثوليكية الوقوف في وجه الإصلاح البروتستانتي وتزايد انتشاره، فقاد رجالاتها بمباركة البابا حركة إصلاحية مضادة، تمثلت في:

  • مجمع ترانت: انعقد أول مرة سنة 1545م أكد الاعتراف بالترجمة اللاتينية للإنجيل، وأكد على سلطة البابا واستمرار الهرمية وبيع صكوك الغفران.
  • منظمة اليسوعيين: أسسها أغناطيوس دولويولا سنة 1534م، ضمت مثقفين دافعوا عن البابا والكنيسة والقيام بالتبشير الديني.
  • محاكم التفتيش: تأسست في ق 12م أثناء مرحلة الاستيرداد ثم إحياؤها لتصفية حركة البروتستانت في ق 16م.
  • لجنة الثبت: منعث تداول كتب الإنسيين والبروتستانت والكتاب المقدس.

هذه الإصلاحات ظلت أسيرة التقاليد الكنيسة القديمة

خاتمة:

نتج عن انتشار البروتستانتية وانتعاش الكاثوليكية بروز حروب مذهبية في أوربا لم تقتصر على الكنيسة بل شملت الأنظمة الحاكمة التي وقف البعض منها إلى جانب الكاثوليك والبعض الآخر إلى جانب البروتستانت.

رابط لتحيل من موقع البسان

أعلمني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments