درس اليقظة الفكرية في المشرق العربي – مادة التاريخ – الأولى باكالوريا آداب

اليقظة الفكرية في المشرق العربي

تمهيد إشكالي:

عرفت منطقة المشرق العربي منذ مطلع القرن 19م يقظة فكرية في مصر والشام، تجلت مظاهرها في بروز عدد من المفكرين، وظهر تياران رئيسيان هما تيار المفكرين التقليديين من جامع الأزهر (التيار السلفي)، وتيار المفكرين الإصلاحيين الليبراليين العلمانيين (التيار العلماني).

  • فما هي مظاهر وعوامل اليقظة الفكرية بالمشرق العربي؟
  • وما هي أبرز تيارات اليقظة الفكرية؟
  • وما هي خصائص أفكار كل تيار؟
  • وما هي أهم القضايا التي ناقشها كل تيار؟

I – شهد المشرق العربي يقظة فكرية خلال ق 19م تعددت عواملها واختلفت مظاهرها:

1 – تنوعت مظاهر اليقظة الفكرية بالمشرق العربي:

شهدت منطقة المشرق العربي يقظة فكرية في ق 19م خاصة بمصر والشام، وتجلت أهم مظاهرها في:

  • ظهور المطابع: ويعود ذلك إلى نهاية ق 18م، حيث ظهرت المطبعة الأهلية في مصر ليتضاعف عدد المطابع خلال ق 19م في مصر والشام، وقد ساهم انتشار الطباعة في نشر التيار الفكري العلمي من خلال إحياء التراث العربي وإيصال المؤلفات الحديثة، وترجمة بعض كتب كبار المفكرين والفلاسفة الأوربيين إلى أيدي الأجيال العربية المتعلمة.
  • ظهور الصحف: وانتشارها ومن أبرزها صحيفة الوقائع المصرية إلى جانب صحف في كل من سوريا ولبنان.

وقد ساهمت كل من المطبعة والصحف في إحياء اللغة العربية وقواعدها وانتشار المدارس، وسمح أيضا بالاطلاع على الأفكار الغربية وخاصة أفكار الثورة الفرنسية.

2 – ساهمت عوامل متعددة في قيام اليقظة الفكرية بالمشرق العربي:

تضافرت جملة من العوامل لأجل ظهور اليقظة الفكرية بالمشرق العربي حيث اختلفت مجالاتها ما بين السياسي والاجتماعي والثقافي:

  • عوامل سياسية: تتمثل في الانعكاسات العلمية والفكرية المترتبة عن الحملة الفرنسية على مصر ما بين 1798-1801م، وازدياد الأطماع الامبريالية على المشرق العربي، هذا فضلا عن الإصلاحات التي قام بها والي مصر محمد علي، إضافة إلى معاناة العرب من سياسة التتريك.
  • عوامل ثقافية: الاستفادة من أفكار البعثات الطلابية العربية العائدة من أوربا التي ساهمت في إنشاء المدارس الحديثة، وتأسيس الجمعيات، وظهور الصحف والمجلات العلمية والأدبية بفضل الطباعة، كل هذه الإنجازات ساهمت وبشكل كبير في الاهتمام باللغة العربية بغية إحيائها وبعثها من جديد.
  • عوامل اجتماعية: تجلت أساسا في مواجهة سياسة التتريك وظهور فئة وسطى في كل من سوريا ومصر ولبنان، كما تجلى في ازدهار أعمال البعثات المسيحية (الإرساليات البروتستانتية والكاثوليكية)، والأثر الواضح للاحتكاك بالغرب وتبني بعض الأفكار الغربية من طرف بعض المفكرين العرب.

II – تنوعت أفكار التيار السلفي وتعددت قضاياه:

1 – نادى دعاة التيار السلفي بالعودة إلى الدين:

يعتمد التيار السلفي على المرجعية الدينية بالدعوة إلى العودة إلى ما جاء به القرآن الكريم والسنة وإلى ما خلفه السلف الصالح ومحاربة البدع، وضم هذا التيار جناحين:

  • الجناح السلفي التقليدي: بزعامة جمال الدين الأفغاني.
  • الجناح السلفي المتجدد: بزعامة محمد عبده.

وقد عمل كل من هذين الجناحين على ترك بصماتهم في الدعوة إلى العودة إلى الدين الإسلامي الحنيف، فقد نادى كل من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا إلى العودة إلى أصول الدين الإسلامي (القرآن الكريم والسنة النبوية)، ودعوا إلى محاربة البدع والتقاليد المخالفة للدين واعتماد الاجتهاد والتوفيق بين الدين والعلم.

2 – أبدى مفكرو التيار السلفي موقفا واضحا من القضايا السياسية الراهنة:

نادى دعاة التيار السلفي بتطبيق الديمقراطية باعتماد مبدأ الشورى الذي يقضي بإشراك الأمة في حكم البلاد، كما دعت إلى الاتحاد بين المسلمين مرتكزين على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مما يمدهم بالوحدة، هذا فضلا عن الدعوة إلى مواجهة الاستعمار والتصدي للتغلغل الأجنبي والغربي داخل العالم الإسلامي (جمال الدين الأفغاني)، كما نادى عبد الرحمان الكواكبي بالحرية ونقد الاستبداد من أجل تحقيق استقرار سياسي وتوحيد الدول الإسلامية.

3 – اهتم مفكرو التيار السلفي بجملة من القضايا الاجتماعية:

دعا محمد عبده إلى ضرورة الاهتمام بالتربية والتعليم وتحقيق فعالية التعليم من خلال نشر النظام التربوي التعليمي في سائر البلاد، كما دعا التيار السلفي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتعليم المرأة والاهتمام بتهذيب الأخلاق.

III – تعددت أفكار التيار العلماني الليبرالي وتأثيره على اليقظة الفكرية بالمشرق العربي:

1 – تميز التيار العلماني الليبرالي بموقفه المعروف من الدين:

يعتمد التيار العلماني على المرجعية الغربية بالدعوة إلى فصل الدين عن الدولة والأخذ بقيم الحداثة واعتماد الفكر الإنساني وسيلة لتحقيق الحداثة، وتزعمه كل من: فرانسيس مراش، فرح أنطوان، أديب إسحاق، شبلي إشميل، رفاعة الطهطاوي، قاسم أمين، فالتمييز والفصل بين الدين والدولة كان الأساس المعتمد بالنسبة للتيار الليبرالي العلماني معتبرا الدين للآخرة والوطن للدنيا، مفسرين ذلك بالاختلاف في الأديان والمذاهب والمواطن، والجامع الوحيد لهذا الاختلاف هو العلم، لذلك اعتمد هذا التيار حرية المعتقدات الدينية ونبذ العصبية الطائفية ونشر التعليم العصري.

2 – تعددت نقاشات التيار العلماني الليبرالي للقضايا السياسية الراهنة:

  • شهد المشرق العربي نقاشات حادة في المجال السياسي من قبل التيار العلماني الليبرالي حيث إن أغلب مفكريه نادوا بتحقيق الليبرالية (الحرية) وذلك من خلال تطبيق الديمقراطية وفصل السلطات وإصدار الدساتير، كما طالبوا باعتماد الحرية والمساواة هذا فضلا عن مطالبتهم لوضع مشروع سياسي نهضوي.
  • دعا التيار العلماني الليبرالي إلى أفكار اجتماعية لتحديث المجتمع وتطويره.
  • يعد تعليم المرأة وتحريرها والمساواة مع أخيها الرجل من أهم ما نادى به كل من قاسم أمين وسليم البستاني ورفاعة الطهطاوي، وقد تشبث هؤلاء بهذه الفكرة نتيجة التشبع بالفكر الغربي، وما دعوة هؤلاء إلى تعليم المرأة والمطالبة بالمساواة إلا أنها تمثل نصف المجتمع، كما طالبوا بتجاوز الفوارق الاجتماعية والاهتمام بالتربية والتعليم كل هذا لهدف واحد ألا وهو تحديث المجتمع وتطويره.

خاتمة:

ساهم الامتداد العثماني والتدخل الأوربي في ظهور يقظة فكرية بالمشرق العربي خلال ق 19م على يد التيارين السلفي والعلماني.

عرض التعليقات