التاريخ

درس سقوط الإمبراطورية العثمانية وتوغل الاستعمار بالمشرق العربي للسنة الثانية باكالوريا علوم

تمهيد إشكالي:

نشأت الإمبراطورية العثمانية في أواخر القرن 13م واستطاعت بسط نفوذها على مجال واسع امتد من شرق أوربا عبر آسيا الصغرى والمشرق العربي إلى الحدود المغربية، لكن مع مطلع القرن 18م بدا التفكك يصيب الإمبراطورية إلى أن انهارت خلال الحرب العالمية الأولى وتوزعت ممتلكاتها.

  • فما هو السياق التاريخي لسقوط الإمبراطورية العثمانية وعوامله؟
  • وما هي نتائج هذا السقوط على وضعية المشرق العربي؟

І – عوامل انهيار الإمبراطورية العثمانية:

1 – الأسباب العميقة لانهيار الإمبراطورية العثمانية:

ساهمت عدة أسباب داخلية وأخرى خارجية في انهيار وتفكك الإمبراطورية العثمانية:

1 – 1 – الأسباب الداخلية:

  • اجتماعيا: تخلف المجتمعات التي كانت تحت حكم الإمبراطورية العثمانية، وتنوع الأجناس والأعراق، وغياب الأمن الداخلي، وظهور الاضطرابات، وظهور الرشوة والفساد، ونهج سياسة التتريك تجاه الشعوب غير التركية.
  • سياسيا: تدهور الأوضاع الإدارية خاصة بعد وفاة سليمان، وتزايد نفوذ الصدر الأعظم حيث كان له صلاحيات التدخل في جميع المجالات، وتنامي الحركات الانفصالية (الوهابية بشبه الجويرة العربية، والزيدية باليمن، وآل العظم في سوريا، وحركة حسن باشا في العراق، وحركة محمد علي في مصر).
  • اقتصاديا: عجز العثمانيين عن إحداث نظام ضريبي ولجاوا بذلك إلى الملتزمين والاقتراض من الخارج، وارتفاع المديونية، واستنزاف العملة العثمانية في الواردات في الوقت الذي ارتفعت فيه الأسعار بسبب تدفق الذهب والفضة على أوربا، وتراجع عائدات التجارة الخارجية، ونفاد الخزينة في دفع المرتبات.

1 – 2 – الأسباب الخارجية:

توالي الهزائم العسكرية أمام النمسا في معركة موهاكس 1687م، ومعركة زينتا 1697م، وأمام إيران في آسيا الصغرى، وأمام روسيا في حرب القرم 1854م، وأمام إيطاليا في معركة لبانتو 1871م، وتوقيع عدة معاهدات صلح مع النمسا كارلوفيتز 1699م تنازلت الإمبراطورية عن المجر وترسلفانيا، وتوقيع معاهدة صلح مع روسيا كوتشك 1769 – 1774م تنازلت عن جورجيا وأوكرانيا، ومعاهدة جاسي وأدرنة 1792م، وتخلت عن السيطرة على البحر الأبيض المتوسط لصالح روسيا سنة 1829م، وتوقيع صلح قصر شرين مع إيران تنازلت عن بعض الأراضي، بالإضافة إلى التغلغل الأوربي عن طريق مجموعة من الأليات، أهمها:

  • آليات اقتصادية: إنشاء صندوق الدين العثماني الذي يهتم باستخلاص الديون الأوربية، وإبرام معاهدات تجارية غير متكافئة لإغراق الأسواق العثمانية.
  • آليات سياسية: تشجيع الحماية القنصلية، والتدخل الأوربي في شؤون الباب العالي، واستمالة الحركات المعارضة للنظام العثماني، والمساومات والتسويات بين الدول الأوربية.
  • آليات دينية ثقافية: الإرساليات والبعثات التبشيرية، وحماية الأقليات الدينية، وإنشاء المدارس والمستشفيات والجمعيات الخيرية لتكريس التغلغل في المجتمع العثماني.

إن هذه الأوضاع الداخلية والخارجية التي عاشتها الإمبراطورية العثمانية منذ نهاية القرن 16م ساهمت في ازدياد الهوة بين أوربا على مستوى جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية.

2 – ظرفية الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية:

ساهمت أحداث ظرفية الحرب العالمية الأولى في انهيار الإمبراطورية العثمانية:

  • دخول العثمانيين الحرب العالمية الأولى إلى جانب دول التحالف.
  • بداية الثورة العربية 1915م بدعم من الإنجليز ضد الأتراك.
  • نهج سياسة التتريك تجاه الشعوب غير التركية.
  • استمالة إنجلترا للعرب من أجل المشاركة إلى جانبها في مقابل وعد إقامة دولة عربية يكون الشريف حسين ملكا عليها.
  • انطلاق الثورة العربية 1916م من الحجاز ضد العثمانيين.
  • وعد بلفور سنة 1917م الذي يقضي بتكوين دولة يهودية على أرض فلسطين.
  • توقيع العثمانيين على هدنة مودورس مع انجلترا 1917م نصت على استسلام القوات العثمانية وتصفية الإدارة العثمانية من البلاد العربية.
  • عقد اتفاقية سايس بيكو 1916م السرية بين انجلترا وفرنسا وروسيا التي تقضي بتقسيم الممتلكات العثمانية.
  • توقيع معاهدة سيفر سنة 1920م التي تخلت الإمبراطورية بموجبها عن بعض الإراضي لصالح اليونان، كما انفصلت سوريا وشبه الجزيرة العربية.

وهكذا انهارت الخلافة العثمانية سنة 1924م بعد تأسيس جمهورية تركيا بقيادة مصطفى كمال.

II – التطور العام في المشرق العربي بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية:

1 – مفهوم الانتداب وخريطته بالمشرق العربي:

الانتداب: شكل من أشكال الاستعمار (إدارة غير مباشرة) تمخض عن مؤتمر الصلح الذي انعقد في سان ريمو يوم 24 أبريل 1920م، ويقصد به الإشراف المؤقت لكل من فرنسا وإنجلترا على بلدان المشرق العربي إلى أن تصبح قادرة على تسيير شؤونها بنفسها، وهكذا خضعت سوريا ولبنان للانتداب الفرنسي بينما خضع العراق والأردن وفلسطين للانتداب البريطاني، ومن قرارات صك الانتداب:

  • إنشاء حكومة عراقية تضمن عصبة الأمم استقلالها.
  • حفظ الأمن الداخلي والخارجي.
  • مراعاة حقوق الطوائف المختلفة.
  • وضع نظام دستوري في العراق باستشارة السكان.

ورغم هذه القرارات التي تحترم السيادة العربية فإن الانتداب تحول إلى استعمار مباشر بخدم المصالح الأوربية.

2 – آليات توطيد النفوذ الاستعماري بالمشرق العربي في ظل نظام الانتداب:

ساهم سقوط الإمبراطورية العثمانية في فرض الانتداب على المشرق العربي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، مما انعكس سلبا على الاقتصاد والمجتمع في هذه المنطقة، كما ساهم الانتداب الانجليزي والاستيطان اليهودي في خلق القضية الفلسطينية:

  • الآليات السياسية: تختلف حسب الدولة المنتدبة، فبالنسبة لفرنسا نهجت أسلوب الحكم المباشر، وقسمت سوريا إلى لبنان وسوريا الكبرى، كما جزأت سوريا إلى أربع دويلات (دولة العلويين، الدروز، حلب، دمشق)، أما انجلترا لجأت إلى خلق كيانات سياسية تابعة للتاج البريطاني، وتعيين أبناء الشريف حسين على بعض المناطق (فيصل على العراق، وعبد الله على الأردن).
  • الآليات المالية: تنحية العملة العثمانية (الاسبرة) وإقامة عملات جديدة، وإنشاء أبناك تابعة للمتربول بهدف تمويل الأشغال العامة والصناعة والزراعة، والرفع من قيمة الضرائب، واستحواذ القطاع العسكري على غالبية الميزانية على حسب الجوانب الاجتماعية.
  • الآليات الفلاحية: فرض التسجيل العقاري للأراضي، وتشجيع الاستيطان في أجود الأراضي، وتشجيع الزراعة الرأسمالية (القطن والحرير).
  • الآليات الصناعية: إصدار قوانين تشجيع الصناعة الخفيفة، وإعفاء مواد التجهيز من الرسوم الجمركية، ومنح امتيازات لشركات أمريكية وكندية للتنقيب عن المعادن.
  • الآليات التجارية: احتكار النشاط التجاري من طرف الدول المنتدبة (تجارة الحبوب، الجلود، القطن، الثمور …) وبالتالي عجز دائم في الميزان التجاري.

خاتمة:

ساهم سقوط الإمبراطورية العثمانية في فرض الانتداب على المشرق العربي مما انعكس سلبا على المجتمع والاقتصاد في هذه المنطقة، كما ساهم الانتداب الانجليزي والاستيطان اليهودي في خلق القضية الفلسطينية.

مصطلحات ومفاهيم

  • السلطان وحيد الدين: من أواخر السلاطين في تاريخ الخلافة العثمانية، عرف بضعف شخصيته في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي اجتازتها الإمبراطورية العثمانية، وهو الذي وقع مع الحلفاء معاهدة سيفر سنة 1920م، حكم ما بين 1916 – 1922 باسم السلطان محمد السادس.
  • الالتزام: هو نظام جبائي يقدم فيه الملتزم  (ذو سلطة إدارية أو مالية) ضرائب فلاحية للدولة بشكل مسبق ليتولى مهمة استخلاصها فيما بعد بقيمة مضاعفة على السكان.
  • حركات الانفصال: حركات طالبت بالانفصال عن الحكم المركزي العثماني وتأسيس كيانات مستقلة، ظهرت في اليونان وأرمينيا وشبه الجزيرة العربية والمشرق العربي.
  • صندوق الدين العثماني: صندوق أحدثته الدول الأوربية لاستخلاص ديونها، وكانت إدارته فرنسية وانجليزية (استعمار مالي دولي).
  • معاهدات تجارية غير متكافئة: معاهدات تم توقيعها بين طرفين غير متساويين من حيث القوة الاقتصادية والنفوذ السياسي، وقد كرست الامتيازات الأوربية.
  • الاتحاد والترقي: جمعية سياسية تشكلت في عهد السلطان العثماني عبد الحميد، كان هدفها الإصلاح وإزاحة السلطان، تعرض أعضاءها للقتل والنفي والسجن، وقادت الانقلاب ضد السلطان حين انضم إليها ضباط الجيش.
  • المسألة الشرقية: هو ذلك النزاع الذي قام بين الدول الأوربية منذ أواخر القرن 17م من أجل استغلال الضعف الذي أصاب الإمبراطورية العثمانية واقتسام ممتلكاتها.
  • الرجل المريض: لقب أطلقه قيصر روسيا نكولا الأول على الدولة العثمانية خلال القرن 19م بسبب الضعف الذي أصابها.
  • تركيا الفتاة: حزب تركي تأسس سنة 1908م بعد القضاء على حكم السلطان عبد الحميد الثاني.
  • رشاد خان: هو سلطان عثماني تولى الخلافة ما بين 1909 – 1916م عرف باسم السلطان محمد الخامس، كان وجوده شكليا أمام نفوذ حكام تركيا الفتاة.
  • الوعود لإنشاء دولة عربية: وعود قدمت من طرف انجلترا في شخص هنري مكماهون لشريف مكة حسين بن علي بتأسيس دولة عربية يكون على رأسها.
  • الثورة العربية: انطلقت من مكة سنة 1916م بدعم من انجلترا لتشمل معظم مدن الحجاز والأردن والعراق وسوريا، حيث تمت تصفية الإدارة التركية من البلاد العربية في المشرق.
  • مؤتمر سان ريمو: عقد في أبريل 1920م تحت إشراف عصبة الأمم لوضع الترتيبات النهائية لتقاسم احتلال المشرق العربي في اطار نظام الانتداب.
  • مصطفى كمال: مؤسس جمهورية تركيا الحديثة بعد إنهاء الخلافة العثمانية سنة 1924م، تولى عدة مسؤوليات (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والبرلمان والقوات المسلحة)، اعتمد نظام الحزب الوحيد سياسيا والاقتصاد الموجه للسوق.
  • معاهدة سيفر: إحدى معاهدات مؤتمر الصلح في فرساي التي نتجت عن الحرب العالمية الأولى، وفرضتها دول الوفاق المنتصرة على الدولة العثمانية في بلدة سيفر الفرنسية.
  • سياسة التتريك: تنبني على القومية التركية التي تزعمتها جمعية الاتحاد والترقي بعد الاطاحة بالسلطان عبد الحميد، وتهدف إلى إعادة سيادة العرق واللغة والسلطة التركية على كافة ما تبقى من الإمبراطورية العثمانية.